أم لخمسة أطفال كادت تخسر حضانة طفلها: “دافعت عنه حتى النهاية”
أخبارالسويد
أم لخمسة أطفال كادت تخسر حضانة طفلها: “دافعت عنه حتى النهاية”
خاص أكتر _ أخبار السويد
تعتد السويد بنظامها التعليمي وحمايتها لحقوق الطفل، على اعتبار أنه نظام تعليم ديمقراطي ومرن يُعنى بأدق تفاصيل حياة الطفل، لكن يبدو أن تحديد ما يصب في “مصلحة الأطفال” قد يكون أمراً إشكالياً ومعقداً، وتحديداً إن كان الطفل لاجئاً ومن خلفية ثقافية واجتماعية خاصة. فقصة (نور) مع ابنها (م) المصاب بفرط النشاط وتشتت الانتباه، في الصف السادس، مثالٌ جيد على ذلك، خاصةً إن كانت العنصرية المُبطنة تلقي بظلالها على مصير طفل صغير.
وصلت نور (اسم مستعار) إلى السويد عام 2015، وأصبحت أماً لخمسة أطفال، تسكن في منزل صغير في مدينة Sölvesborg.
“رغم صعوبة أن أكون أماً لخمسة أطفال، كان التعامل مع (م) المهمة الأصعب خاصةً وأنه مصاب بفرط النشاط وتشتت الانتباه” تقول نور التي بذلت في ذلك الحين كل جهدها للاهتمام بابنها عبر القراءة عن المشكلة التي يعاني منها ومعرفة الأساليب الأفضل للسيطرة على شقاوته وغضبه وحركته المستمرة. سرعان ما بدأت المشاكل تأتي من خارج المنزل، وتحديداً من مدرسة Möllebacken التي بدأت إدارتها وفريق الإرشاد النفسي العامل بها بإغراق الأم باتصالات تلفونية وإيميلات للشكوى من صعوبة ضبط الطفل والسيطرة عليه، بعد ذلك عقدت المدرسة اجتماعاً مع الأم وضغطت عليها بشدة للبدء بإعطاء (م) دواءً يهدّئ من حركته، بناء على توصيات المختصين.
تتذكر الأم تلك الفترة بألم، فهي تلقت الكثير من الاتصالات التي تُلمّح فيها المدرسة لضرورة تدخل (السوسيال). اتهمت المدرسة الأم بالتقصير، وهاجمت ابنها، الذي بات يجد نفسه دائماً موضع اتهام عند عودته إلى المنزل لأن والديه يضغطان عليه كي يحسن التصرّف. “لم أكن أريد اعطاءه الدواء، لكنني وجدت نفسي مضطرة لإظهار تعاوني مع المدرسة. أتذكر كيف بدأوا بالضغط عليّ لزيادة الجرعة من (30) إلى (40) وصولاً إلى (70 ملغ)”. وتضيف الأم متذكرة حالة ابنها النفسية والجسدية: “نعم بات (م) هادئاً في الصف، لكنه فقد شهيته للطعام وبات ضعيفاً ومصفراً ومكتئباً”.
المعروف بأن الأطفال المصابين بفرط النشاط غالباً ما يساعدهم وجود ما يلقّب بـ”مدرس الظل” الذي يجلس إلى جانبهم خلال الدروس للإبقاء على انتباههم مرتكزاً على الدرس ومساعدتهم على حل المهمات المطلوبة. وتقول نور بأن ابنها عاش فترة من الاستقرار حينما خُصص له معلمة لتقوم بهذه المهمة، لكن المدرسة عادت وألغت وجودها متذرعة بصعوبة تأمين خدمات خاصة لكل طفل، وعادت للمطالبة بالاعتماد الكامل على الأدوية الكيميائية متجاهلة تأثيراتها السلبية.
ذروة المشكلات والتهديد بفقدان الطفل
وصلت المشكلات ذروتها بين نور وإدارة المدرسة حينما عُينت مرشدة اجتماعية جديدة في المدرسة، بدأت باستجواب الطفل حول ظروف معيشته في المنزل، محاولة جمع أكبر قدر ممكن من الأدلة التي تثبت بأنه لا يلقى ما يكفي من العناية. “حكمت المرشدة مسبقاً علي بأني أم سيئة لأني أم لخمسة أطفال وبدأت تحوّر مضمون مكالماتنا الهاتفية لتثبت بأنني لا أستحق حضانة طفلي”. وتضيف نور بأنها شعرت بأن هناك عنصرية مبطنة خلف العدائية التي قابلتها فيها المرشدة النفسية. فتلك كانت تستنكر تعليم الطفل بعض الآيات القرآنية، وتستثمر مشاعر طبيعية يحسها كالغيرة أو الشعور بنقص الاهتمام أو الغضب من ذويه لأنهم رفضوا شراء موبايل له، وتحوّل كل ذلك لأدلة تثبت تقصيرهم. فيما بعد قامت المرشدة بتحويل أقوال (م) إلى تقارير رُفعت للسوسيال لتقدم بذلك “بلاغ قلق” رسمي بحق الأم. وبالطبع وفق القانون السويدي كان يكفي أن يُقدم بلاغ آخر من هذا النوع حتى تفقد الأم حضانة طفلها.
إدارة الأزمة بذكاء
في اللقاء مع السوسيال، حضرّت نور ملفاً كاملاً عن وضع ابنها الصحي والنفسي، وتحدثت مثلاً عن الضرر الذي يلحقه استخدام الموبايل على الأطفال الذين يعانون تحديداً من فرط النشاط. تتذكر نور بأنها قالت للمحقق الذي استلم ملف طفلها: “أنا أم (م) وأنا أكثر من يعرف تفاصيل حالته ووضعه الصحي لأني أعايشه وأهتم به على مدار الساعة، ولا أحد أقدر مني على العناية به”. بدوره انفجر (م) في البكاء في المدرسة عندما وعدته مرشدته النفسية بعائلة جديدة، فيما كشفت الأم بأن المرشدة استمرت باستجواب الطفل حتى بعد تدخل الشؤون الاجتماعية. ولذلك وبعد تقييم مفصل لحالة الطفل اتخذت السوسيال قراراً بتعليق القضية وإبقاء الطفل في كنف عائلته.
نور أكدت لمنصة أكتر أن السوسيال كان متعاوناً معها لكن الضغط مارسته المدرسة.
فريق أكتر بدوره سأل الأم عن الخطوات أو التفاصيل التي غيرت مجرى التحقيق وجعلتها في المحصلة تثبت أهليتها لحضانة طفلها. وعن هذا قالت نور: “أكثر ما ساعدنا هو الشهادة الإيجابية التي قدمتها صديقتي السويدية، التي تعرف كم الجهد الذي أبذله مع عائلتي”، وتضيف أيضاً بأنها وزوجها أظهرا الكثير من التعاون مع السوسيال ووافقا عن طيب خاطر على حضور جلسات تدريبية حول كيفية العناية بالأطفال، وتحديداً الأطفال المصابين بفرط النشاط. هذا وتنصح (نور) الأمهات الأخريات، بالانتباه إلى جعل التواصل مع المدرسة يتم عبر إيميلات ومراسلات رسمية وموثقة، حتى لا يتم التلاعب بمضمون الكلام، خاصة وأن التواصل بلغة سويدية صحيحة قد يكون عائقاً أمام بعض الأهالي. وكذلك الأمر تقول نور اليوم بأنها تشعر بالندم لأنها لم تثق بغريزتها كأم وقبلت بأن يأخذ ابنها دواء بجرعات كبيرة اتضح بعدها بأنها لا توافق عمره، وتضيف: “أنا لم أكن محتاجة لأن يؤخذ ابني مني، أو يتم تخديره بالأدوية، جل ما احتجته أن أحصل أنا وطفلي على استشارات وعلاج سلوكي ونفسي يعلمه السيطرة على غضبه وانفعالاته ويساعدني في التعامل معه”.
بداية جديدة
باتت كل تلك التفاصيل مجرد ذكرى أليمة بالنسبة لنور لكنها كانت تجربة قاسية تعلمت منها الكثير. واليوم يعيش (م) في مدينة أخرى مع عائلته يرتاد فيها مدرسة أخرى تظهر درجة أكبر من التعاون والتفهم لحالته النفسية والصحية.
في المحصلة، الأمر المميز في رحلة نور، التي استحقت فيها حضانة طفلها من جديد، هو إصرارها على إثبات أنها أم جيدة، وتحدي المنظومة التي قد تستسهل أحياناً حرمان الأطفال من عائلاتهم على أساس أنها تفعل ذلك لمصلحتهم. اليوم تقول نور: “أنا أتصل اليوم بالسوسيال والمدرسة في كل شاردة وواردة، لكنني في المحصلة أقول لهم: لا بد أن يدرك (م) أنني أمه في المنزل ولا بد من أن يطيع توجيهاتي”.