سوريون ضائعون بين المهجر والوطن
سوريون ضائعون بين المهجر والوطن هذا ماكتبته احدى الصحفيات في احدى تقاريرها عن اللاجئين السوريين.
في الوطن يؤرّقنا حلم السفر و في الغربة ينخرنا الحنين و الذكريات باكيين أطلاله .
أين راحة النفس إذاً؟! تحت سقف أوطانٍ لم تعد تتسع لطموحاتنا و لا تقوى على حمل ما أنهكته من شبابنا ..
أم بين جدرانٍ باردة في بلادٍ بعيدةٍ بهيئة أجسادٍ دونما أرواح.
من غير المعقول تأطير مفهوم الراحة ضمن عنوانٍ محدد كما ليس هنالك ما يدعى بالراحة المطلقة.
حيث أنها تملك من الفروقات النسبية ما هو عائدٌ لاختلاف مفهوم كلٍّ منّا لها.. فثمّة من يراها أماناً مادياً و مالاً وفيراً..
وآخر يحققها له الاستقرار العاطفي تحت كنف العائلة أو الأماكن.. ومنهم من يجدها طموحاً أو تحصيلاً علميّاً ما أو شغفاً اتجاه مهنة أو هواية..
اللغة كحاجز أول
لدى لحظة الهبوط في مطار “فرانكفورت” الألماني أحد أضخم مطاراتها ذو التصنيف الثاني أوروبيّاً من حيث الحجم.
لم أكترث لشيء غير حرارة اللقاء التي تنتعش بها رئات العابرين نحو بعضهم وتضيق بها رئات المودّعين..
تقول لجين ( ٢٩ عاماً) و التي ما زالت تحتفظ بقليلٍ من طاقة العشرينات المدوّية، ممزوجةً برصانة الثلاثينات و كآبتها ببداية الخطو نحو منتصف العمر..
لم أكترث لحجمه المهيب الذي يتوه بكِ بضع دقائق لبلوغ وجهتكِ المقصودة و لا لدقة تنظيمه و خطواته الحذرة التي تشعركِ بأنّكِ كما أحد المتورطين في قضية ما..
أو بكمية الناس المتدافعة من حولك بحقائبها المتسارعة التي يملأ إيقاع دواليبها المكان..
جلّ همّي كان أن يلتم الشمل مع العائلة كلها بغض النظر أين ..
بدأت بالالتفات لهذه البلاد تدريجياً، أكتشفها، أختبر حرارتها وأضبط ساعتي البيولوجية وفقاً لتقويمها رغم ضآلة الفارق بمقدار ساعة واحدة لصالح بقعتي الجغرافية “المتأخرة”!!
بدأت بأولى خطوات الاندماج و هي بطبيعة الحال اللغة المعقدة..
ليحضرني أنا قول “ميلان كونديرا” الفيلسوف التشيكي الفرنسي (يستطيع الطفل أن يتعلّم لغة لا منطقية، لأن مَلَكة العقل لم تتشكل لديه بعد.
لكن الأجنبي الراشد لا يستطيع ذلك أبداً. هذا هو سبب كون الألمانية، في نظري على الأقل، ليست لغة تواصلية كونية.)
لتتابع: لا شكّ أنني شعرت بهذه الاستحالة عند البدء.. لتكون أولى الصعاب التي يصطدم بها المرء على طريق الاندماج في بلدٍ يعتدُّ أهله بما يحملوه من هوية و ثقافة،
باديين انزعاجاً واضحاً بمخاطبتك إيّاهم بلغة أخرى كالإنكليزية مثلاً والتي يتقنها معظمهم بالمقابل.
مما جعل الذين لجؤوا بعمرٍ متقدمٍّ بعض الشيء يعانون من هذا الحاجز الأول دون إحراز أي تقدم لينتهي بهم المطاف في اكتئابٍ ونفسية محطمة تكرّس الإحساس بالغربة والاختلاف والعجز..
اقرأ عن الغاء قانون الوباء وايقاف الحظر عن السفر الى السويد على موقعنا
إلى الآن في المخيمات
وبحكم تطوّعي البسيط بمركز معونة للاجئين واحتكاكي مع هذه الفئة العاطلة عن العمل أو إن صح التعبير ” تلك التي لم تندمج ” معتمدة على مساعدات الدولة و المنظمات المدنية.. لمست استحالة الاندماج عند البعض منهم دون أدنى محاولة حتى..
▪︎ يقول محمود (٣٥ عاماً) حين سألته لمَ إلى الآن لم تتقن الألمانية؟و هذه السنة الخامسة لك هنا!
بالرغم من أنك ما زلت فتيّاً و بمقدورك ذلك؟ يجيبني ضاحكاً بسخرية واضحة.. ولِمَ أتعب نفسي بها؟
ها أنا متمتعٌ بشتّى أنواع المساعدات إضافةً إلى راتبٍ رمزي يوفر ما أحتاجه من ضروريات فلِمَ العمل إذاً؟
أنظر إلى زوجته على يدها طفل و بجانبها آخر و بطنها تتأرجح تكاد تصل فمها.. ما الذي يجعلكم تستمرون في الإنجاب في هذا البلد الغريب و أنتم جاهلين بمصيركم و مصير أبنائكم؟
تجيبني بثقة مُلفتة: نتقاضى على كلٍّ منهم راتب! تباً لهذه العقلية و لأسئلتي المثيرة للضحك فعلاً مع هذه الفئة الكسولة التي لن تُجدي نفعاً أينما ذهَبَت.
▪︎ ليجيب آخر في عقده الخمسين و يدعى سامر، بزيٍّ بلديٍّ أعادني إلى إحدى أحياء الوطن و أزقّته الشعبية،
بعينٍ دامعة و تنهيدةٍ ملؤها الحسرة: و هل من بداية ممكنة في هذا العمر؟!
تركت كل ما ورائي في سبيل البقاء مع أولادي و عائلتي. جئت إلى بلادٍ لا أفقه عنها شيء سوى ما تُذيّل به العبوات والكراتين (صنع في ألمانيا ) أفتقد حياتي السابقة بكل تفاصيلها
.. الحي و الجيرة ..المنزل و الأقارب .. الصحبة الطيبة.. و كل هذه الأنماط من العلاقات الاجتماعية التي من المُحال خلقها هنا في بلدٍ ذو طابع عمليّ و إيقاع حياة مختلفٌ تماماً عنا
..فضلاً عن اللغة و صعوبة التواصل. كل شيءٍ بات باهتاً رغم سحر الطبيعة و التطور المثير.
▪︎ وعند سؤالي لابنه الذي عبر البحر قاصراً، هل ما زال يشعر بالوحدة هنا..
يقول: إطلاقاً فما يربطني بالوطن أهلي وها هم هنا.. ولربما الشعور بالوحدة في الغربة أخف قسوة من إحساسكِ به في وطنك ..
للمزيد لا تنسوا القيام بمتابعتنا على غوغل نيوز عبر الرابط الموجود هنا